![]() |
التقيناه مساءاً حين كان يحمل بعض صناديق الفاكهة لمنزله، كان وجهه الهادئ ذي الملامح الداكنة الذي خطت فوقه السنون بصماتها الواضحة، يغرينا بالاقتراب منه أكثر والتوغل في بعض هذه السطور العميقة لقراءتها علنا نجد فيها ما جهلناه وما لم يكن متاحاً لنا أن نعيشه في زماننا.
و حين استوقفناه لنسأله عنها، بدا كمن يستدعي بعض هذه الأجزاء المخملية من ذاكرة معفية كادت معالمها أن تندثر، قالها بحرارة " لقد مضى ما تسألوني عنه وولت العيون وأيامها فولى الخير كله معها ". أدهشتنا تعبيرات وجهه المؤثرة بحسرة انعكست كظلال غيم قاتم خيم عليه فجأة، فاحتضنت انفعالاته معاني الشجن لتعبر عن عمق متسع بأكثر مما يظهر عليه.
لذا بدت بعض الذكريات التي طافت به وكأنها عرجاء حين أخذ ينقب عنها في ملفاته، وحتى نساعده على استدعاءها من أزمنتها الغائبة تحدثنا معه عن عدد العيون وما بقي منها وأسماءها ومناطقها وألعابهم التي كانوا يمارسونها حولها، لكنه أطرق طويلاً وكأنه يحتفظ بطعم الخصوصية لماضٍ عاشه بحب لا يضاهيه شيء في الوقت الراهن، أثناء ذلك لمح ورقة ليمون تسقط متهالكة من صندوق قريب منه التقطها فجأة، وفركها بيديه الخشنتين ثم شمها بعمق مستدعياً منها روائح الماضي القديم وذكرياته الجميلة معه، فبدأت تتقاطر تلك الذكريات بغزارة من ذاكرة " معتوق الخاطر ابو محمد، الذي يربو عمره على 60 عاماً وهو من سكان بلدة القديح إحدى قرى محافظة القطيف المشتهرة بوفرة العيون وغزارتها ".
حدثنا عن ماضيها الأصيل وعن ثقافتهم التي كانوا يتمحورون حولها كما كانت نخلاتهم تفعل حول عيونهم الغزيرة،فرحنا معه نحمل خيالنا لنحلق طويلاً في سماء تلك الواحة الخضراء الخصبة، بمياهها الزرقاء الدافئة وخضرتها النظرة، وطيورها المنشدة، والشعراء اللذين تغنوا بها. وقد صف لنا حياتهم فقال بأنهم كانوا يستيقظون باكراً في ساعات الصباح الأولى، يتسللون من منازلهم كطيور منطلقة نحو البساتين حين تنشر الشمس أشعتها الذهبية فتغدو متشابكة بسلالها الذهبية على واحات النخيل وبين سعفاتها الخضراء وأشجارها الكثيفة، في وقت كان السكون يطوف بأرجاء المكان فيقف طائر "البتي" أو يمامة النخيل لتشدو بأسطورتها السحرية ونواحها الحزين بين أغصان سعفها.
كانوا صبية صغار يخرجون جماعات، يتلاحقون ويتدافعون في طابور واحد نحو مصدر الحياة في واحتهم وهي "العيون"، ينشد أحدهم أهزوجة ما ويرددها معه البقية بانتشاء ومرح بينما بقايا عطر الأرض الرطبة يعبق بالأجواء ممتزجاً بروائح أشجار الليمون والسدر والحناء.
كانوا يبحثون عن تسلية أو مغامرة يخوضونها في وقت لم يعرفوا فيه غير اللعب في أحضان الطبيعة كوسيلة للترفيه والتعلم، فحول العيون يلعبون العابهم الشعبية، وعلى ضفافها يغتسلون، وفوق تربتها الرطبة يتقافزون، وبمياهها الدافئة شتاءاً والباردة صيفاً يتراشقون وفي وسطها يسبحون ويتنافسون ليبرز منهم الأقوى، هكذا كانت حياتهم كما حدثنا عنها فقد كانوا يتنفسون المرح فتتحول همومهم إلى قصائد يعزفونها بأناشيد وأهازيج شعبية احتفظ بها التراث وان ذهب أصحابه وعُغيت آثارها ومحيت في الوقت الحاضر.
وحول الاستخدامات للعيون فقد ذكر الباحث في شئون التراث والبيئة والمهتم بالتصوير الفوتوغرافي الموثق "عبد الرسول الغريافي"، بأن بعض العيون تمثل لدى أهالي القطيف بالإضافة لكونها مصدراً للمياه العذبة والري والسقاية، فهي تعتبر منتجعات سياحية ومناشط للثقافة والفكر والأدب واللقاء والندوات،.جلب الطين: يغوص البعض إلى الأعماق للحصول على طين خاص نقي أصفر اللون ممزوج بالخضرة وذلك في عيون معينة مثل (عين أم عمار والكشورية، والصدين، واللبانية لغسل شعر الرأس وتنعيمه والتخلص من القشرة, كما ويمسح البعض جسمه كله بهذا الطين لكونهم يجدوه دواء يمنع ويخلص الجلد من بعض الأمراض ويخفف آلام العظام. وهذا الطين من نوعية ما يعرف بـ (الطين الخويلدي).
بالإضافة لاستخدام بعضها في الشرب والمكاراة، إذ نجد منها العيون الحلوة مثل عين "القشورية"، وبعضها حمامات شهيرة مثل حمام "أبو لوزة"، وهذا توجد به جلسة خاصة يأتيه الناس وبه قسم للتدليك، تماماً مثل حمامات (السونة)، وأضاف بأن حمام "تاروت" الذي وجد (سنة 70 أو 71)ثم حلت محلها العيون التي فيها الرشاشات النباعة الغزيرة وعليها حمامات، والحمامات معظمها كما أشار تنقسم إلى قسمين، نسائية ورجالية، بالإضافة لاستخدام بعضها في الري "الوضح" للنخل العادي، وضح الليل ووضح النهار فالماء يتجمع في "السيب" والسياب هي انهار تحولت إلى سدود لدرجة تسقي الرز الأحمر الذي يتواجد بالمنطقة الغربية في القطيف، ومن أمثال السياب "سيب ابو خمسة في الشويكة"، "ساب الدوبح في التوبي"، و" الصوبية في القديح"، "ساب أبو كحيل في القطيف"
ويؤكد الغريافي بأن العمالقة وهم أحفاد الكنعانيين لديهم معرفة هندسية لا يستهان بها فالأستاذ المرحوم (محمد سعيد الخنيزي) ذكر( 168عين) وهي الأشهر على الأرجح في القطيف، وقد قام الغريافي بمسح ميداني وصل من خلاله الى أكثر من( 350 عين) بخلاف "أبو معن، والخترشية، والدريدي، وعنك، ومناطق أخرى"، وأضاف بأن الجيولوجيين حين يقومون بمسح ميداني فهم يحتاجون لأجهزة ومعدات متطورة واختبارات للذبذبات والإهتزازات، ويأخذوا وقت طويل ليؤكدوا بأن هذه المنطقة تحتوي على مياه، وقال بأن العيون حين نزحت عليها الرمال صارت تغطى بلوحين من الأحجار على شكل 8 وتسمى " تنقاب" وهي كلمة فارسية تعني "تنقب" بمعنى حاوي، "آب" ماء، ومن الملاحظ أن حمامات القطيف قد بنيت فوق عيون ذات مياه معدنية وهذا يتطلب مهارات علمية لمعرفة ذلك وتقنيات حديثة لم تكن موجودة في تلك العصور.
وعن أجزاء العين وتصميمها، فأخبرنا بأنها تبدأ "بالفوهة" وهي فتحة العين وهي أوسع من التنور ويصل ارتفاعها أحيانً إلى 15 متر أحياناً كعين الطيبة في الغميري، ثم "الجلف" وهو مقعد جص من العين بارتفاع 50سم يصل له الماء ويجلس عليه الناس، و"الكوكب" الذي يأخذ شكل رباعي مقطوع على شكل مربع من (5 – 6 أمتار) وعمقه من (10-12 متر) وقطره من (5 -7 أمتار) كعين القصير وبعضها يأتي ب(15-20-30-50متر)، و"التنور" وهو أعمق جزء في العين وهو نقطة التقاء العين بمصدر المياه على شكل الحرف(e)تجري بشكل افقي .
ورجح "الغريافي" باحتمالية كونه جاء من قصة سفينة نوح في الآية ﴿وفار التنور﴾ وهو تنور النار الذي فار منه الماء، كما أضاف بأن الماء في القطيف يخرج بعد الحفر بنصف متر وذلك لكثرة المزارع، لكن الماء الغزير يخرج ن منطقة الجبل الذي ينبع من الكوكب، و"السيب" وهو محل تسرب المياه والسيبان تخرج منها المياه من (1 -2) وبعضها 7 مثل عين (داروش)، وكانت بعض العيون في السابق تحظى بعناية خاصة حيث يتم تنظيفها سنويا بشكل دوري من قبل غواصين اللؤلؤ الماهرين وذلك للتخلص مما يرميه الناس فيها من نفايات وشوائب على مدار السنة، فتسد (تنورها) بجدع نخلة فوق الفوهة مشكلا قطرا يقسمها إلى نصفي دائرتين, تعلق عليه الحبال ويقف عليه بقية الغواصين ومساعديهم لسحب الغواص وما يحمله من نفايات.
عــــــيون بلــدتي على قـسمين * (الإرتــوازي) ســـلوة الحـــزيـن
من بعضها (الصوبية) المحببة * لــدى الجــميع بالمـــياه العـــذبة
ومــن عــيونها القــديمـة الأثـر * (غرى) و (ساداس) وأعين أخر
كما تغنى الشاعر عبد الرسول الجشي بالعيون في القطيف عندما جاءت الدكتورة بنت الشاطئ :
فرأت بها الوطن الخصيبة أرضه للماء فــيه تــدفــق وتفجــر
وذكر الأستاذ الشاعر السيد عدنان العوامي "عين داروش بصفوى" في قصيدته فقال:
ألم ترها يوما تسرح شعرها "بداروش " كالموال مسترسلا حلوا
والحبة هنا كناية عن الأرز الأحمر، والبرنجوش اسم لطبخة معروفة عندهم، ولمية جاءت من الماء، أما عن البحر فهو كناية عن العين.
لعبة أخرى تبدأ الفتيات بالالتفاف حول إحداهن تتقمص دور "أم أحمد"، على أنها امرأة كبيرة وهن يتغنين، ليسألنها:
- شتسوين يا أم أحمد، شتسوين يا أم أحمد ؟
- أخيط ثوب أحمد اولدي، أخيط ثوب أوليدي
- شتدورين يا أم أحمد، شتدورين يا أم أحمد ؟
أدور ابراتي، أدور ابراتي
ثم يبدأن بسؤالها عن اللون : أحمر، أخضر، حتى يصلن (لحبة البرنجوش)، وتبدأ لعبة أخرى. فهم يقفون عند قطر العين وينشدن بعض الأهازيج.
كل هذه الفلكلورات كانت معروفة في القطيف والخليج عامة، ولازالت متواجدة ببعض البيئات الفطرية وإن ظهرت على استحياء بسسب غزو الحداثة، وكانت قد نشأت متلازمة مع بيئتهم الزراعية الغنية التي تغذيها العيون بخيراتها والغزيرة الوافرة.
ومن أشهر العيون (عين اللبانية) في القديح (القشورية) في حلة محيش الجارودية، عين (أم عمار) وهي شبابية تؤم في الصيف، (حمام ابو لوزة في الشتاء، إذ كانت تقسم على حسب المواسم والمناسبات والمستويات، وهنا إشارة هامة إذ بعضها يبنى على جرفها مساجد (كحمام تاروت، حمام ابو لوزة، القصير) ويرجح أن هذه الفكرة جاءت قبل العهد الإسلامي من أيام البرتغاليين قبل (4000 -3000 سنة)، أما حمام تاروت فوجد قبل 600 – 700 سنة قبل الميلاد ) قبل الميلادى فهو مبني على أنقاض معبد ومن الخارج صخوره تأتي مكعبة الشكل ارتفاعها 75سم تذكرنا بأحجار الأهرامات، ولعلها منحوتة من جبال غرب القطيف، والفكرة في مجملها تدل على أن العبادة بشتى أنواعها تحتاج لطهارة، وحمام تاروت كان لعهد قريب فيه ألواح وكان يكتب بخط المسند وكل حرف يقابله حرف عربي لكن القراءة تبقى غريبة (عين أم جدير في العوامية ) احدى العيون التي بها لوح مكتوب بخط المسند.
أشهر هذه العيون من حيث الكبر "عين داروش" بصفوى، وعين "الطيبة في الغميري" بمنطقة العوامية والتي يصل ارتفاعها مابين (50 -60 متر)، "عين أم عمار" بالحلة، "عين اللبانية "بالقديح، "عين المحارق" بالقديح، "عين القصير" بالتوبي، " عين القشورية "بالجارودية،"عين أم ضبي" بالجش.
أما عن أكبر منطقة تحظى بالعيون فهي الأوجام والقديح وأم الحمام، كما تحدث عن عيون "التنقاب" أو عيون البر التي زحفت لها الرمال فبنيت عليها الأسوار كردة فعل طبيعية بعمق (3 -4 أمتار) وغطوا مجاريها بألواح خشبية على شكل الحرف (ثمانية بالعربي) وبين كل (300متر ) وضعوا "التنقاب" وهو عبارة عن اسطوانة "بوكس" له نفس ارتفاع العين يسمح للأبخرة بالخروج، كما له مهمة التنظيف، والتفتيش الذي يسمح للمياه بالجري الهادي، ولذا كانت بعض العيون مجاريها نحو الغرب وهذا دليل بأن المنطقة ممتدة للبر فتركوا بها فتحات باتجاه الشمال والجنوب لأنها تتغلل نحو الغرب، وقد اكتشفت الكثير من الآثار فيها كالمنازل والأواني الفخارية كالعيون بمنطقة البدراني وعين الصدرية بالقديح والطيبة بالعوامية،وتحدث عن عين مهمة تسمى بعين (الجعبة أو الكعبة) وهي التي حمل إليها القرامطة الذين جاءوا من غرب العراق وسوريا، بعد أن سرقوا الحجر الأسود على اعتبار أنهم تجار فيستغلون الأمر لجذب الحجيج لهم وبالتالي يستفيدوا منهم في تعاملاتهم التجارية حين يكون الحجر الأسود موجود عندهم، فقد وضع القرامطة الحجر الأسود في عين تسمى (عين الجعبة) في منطقة (الجش) في القطيف، بعدها قام أهالي القطيف بإعادة الحجر الأسود إلى مكانه.
من أسباب النضوب للمياه في العيون هو قلة الأمطار التي تغذي المياه الجوفية، وحقن حقول البترول بالماء، بالإضافة لسبب آخر لنضوب هذه العيون هو بناء السدود في المناطق الجنوبية والغربية في الجزيرة العربية، فهي أصبحت كخزانات لمياه الأمطار التي كانت مسبقاً تغذي العيون والينابيع فالمنطقة الشرقية هي منطقة منخفضة تميل ناحية الشرق في الجزيرة العربية ما يجعل كميات المياه الساقطة على المناطق الأخرى تتجه لها عبر أنهار جوفية تمر تحت طبقات الأرض وتكون عيونا وينابيع طبيعية. وهم مستقبلاً كمهتمين يتوقعوا زيادة مستمرة لنقصان المياه، ولذا يسعون للقيام بلجنة تطالب بعدم دفن هذه العيون والحفاظ عليها كآثار مهمة، وتسخيرها من أجل السياحة، فبمقارنة عيون القطيف بعين (عذاري) في البحرين مثلاً عندما بدأت تنضب هب لها الأهالي يعملون على إعادتها وفعلاً لم يهدءوا إلا حين عادت لها الحياة من جديد، مستشهدا بأن الأمر لا يعد صعبا والدليل (عين أم المحارق بالقديح) فقد عادت من جديد بعد نضوبها واهتم بها الأهالي لأنها تروي مزارعهم، وكل مرة تزداد مياهها وتترشح وتصبح أنقى مرة بعد أخرى.
القصص والخرافات في ذاكرة الشعوب التي تنضح بالحضارة كثيرة للغاية، ولن تخلو واحة القطيف من هذا التراث الخيالي لذا نجد بأن العيون تحاك حولها قصص وأساطير كثيرة يتناقلونها كحكايات شعبية ويقصونها على الأطفال، ومنها أسطورة (يمامة النخيل) التي أغرقت أبنتها في الماء فراحت تندبها باكية عليها بين بساتين النخيل فتقول" يا فاختة يا بتي وين رحتي وين جيتي" أو "يا فابتة أو بلهجات أخرى يافاتة يا بتي، غرقتش ما أدري".
كما يتناقلوا أيضاً قصص عن الجن وعفاريت الماء (أو ما يسمى باللهجة الدارجة، براعية العين وراعي العين)، و التي كان بعض الأسر يخيفون بها الصغار أو يعلقون عليها بعض الجرائم التي لا تنسب لأحد فيروح ضحاياها قتلاً دون معرفة الفاعل تحت وقع الخرافة، وبعضهم فسر الأمر بأن العيون بها أسماك كبيرة تظهر فجأة كما تختفي فجأة، فنسبوها للجان أو "راعي العين وهو جنيها كما يعتقدون"، والبعض من العيون يصادف أن يغرق فيها أحد كل عام، فينسبون الناس الأمر للعين أو جنيها، وهذه القصة تشبه قصة عروس النيل في مصر التي تزين بالحلي وتوضع في قارب ليبتلعها النهر أثناء المد، وهناك من يعتقد بأن العين في أوقات معينة تشكل خطورة ما على مرتاديها كوقت منتصف الظهر وساعات الليل المتأخر، بالإضافة لما تحويه بيئة اليابسة حولها من قصص وخرافات يتناقلها الأهالي ويعتقدون بها حتى الآن، بل منهم بعض المتعلمين، كقصة"أم حمار" وهي امرأة من الجان لها جسم آدمي ورجل حمار،، وأم الخضر والليف وهي كناية عن النخلة، و" أم دعيدع" وهي نخلة يقال أنها في ساعات الليل ترمي بالسعف والليف فوق العابر بجانبها، هذه الأساطير مشتركة في العالم العربي أفرزتها بيئة خاصة تمتاز بامتيازات معينة، وحضارة عريقة إن صح لنا التعبير وقد صنع منها الجهل وبساطة التفكير والحياة مثل هذه الخرافات التي تحولت لتراث وفلكلور شعبي.
العيون أيام خلودها كانت تحوي قصص وحكايات كثيرة تجعلك تطيل النظر في الأشياء.. نتأملها في حالاتها المتعددة للتشكل والتكوين، من بداياتها إلى نهاياتها، أي من بداية عهد العمالقة أحفاد الكنعانيين حين كانوا يحفرون العيون ويحملون قطع الصخور الجبلية الضخمة إليها فينحتون كتاباتهم عليها لينقلوها للمعابد بقصد الطهارة، ثم تلقي بها الأيام في ذاكرة الثقافة الشعبية وحضارة تكاد تندثر إن لم يُعنى بها.. إنها أحداث تحمل دعوة إلى إعادة بناء هذه الحضارة المحطمة التي كان تسكن بيننا.. وكل ذلك من خلال تأمل حقيقي لتجربة إنسانية مرت بتاريخنا العريق الذي كنا نودعه بالأمس فقط دون أن نبقيه بيننا فترة أطول.